الاثنين، 20 ديسمبر 2010

صورة... وعثه.. وغبار


الساعة الثانية عشر منتصف، أنزل من السيارة حاملة طفلي بين ذراعي بتثاقل، أدخل يدي في فتحات سور منزل أهلي وأفتح الباب الحديدي من الداخل،نخلتان على جانبي ممر المدخل، نخلة خلاص على اليسار وقبلها نرجسة صغيرة أبت أن تكبر، ربما سمعت بأنها إذا كبرت سوف تحمل ما لا طاقة لها به، وعلى يمين المدخل نخلة خنيزي وخلفها ياسمينة التفت أغصانها بالسور كعاشق يهاب لوعة فراق المعشوق، القمر غاب تلك الليلة مبكرا لالتزامه بمواعيد أكثر أهمية، أعبر الممر المرصوف بالطوب الأحمر، وأصعد درج شرفة المنزل الثلاث الأولى، ألمح صورة لا أستبين معالمها بسبب ضعف نظري، أواصل صعود الثلاث العليا، فأراه يواجهني بنظرته التي اعتدت عليها، لكن شعرت بأنني لمحت عتاباً في عينيه، لم أتمالك نفسي هرعت إليه، ووقفت بين يديه، أردت أن أناوله طفلي الذي أسميته باسمه، التفتُّ إلى طفلي أقول له أنظر هذا جدك، نظرت لعينيه بشوق كبير، مر وقتٌ طويل لم أره، عمر طفلي ثلاثة أشهر وثلاث أسابيع، لم يره قط، تذكرت آخر مرة رأيته فيها، غصت في بحر عينيه واغترفت من حبه الفياض الذي لن يستطيع أحد منافستي عليه، أعلم أنه يحبني أكثر من أي أحد فأنا مدللته الصغيرة التي عقد عليها آمالا كبيرة، خاطبته بلهفة عاشق وشوق، هذا ولدي أحمد، افتح ذراعيك، خذه لحضنك، قبل وجنتيه المدورتين، قربه من عينيك، أعطه من حبك الذي ما فتئت تعطيني إياه، من حبك الذي أعيش به حتى هذه اللحظة، من حبك الذي يحرسني كملاك، من حبك الذي يلهمني الصبر والقوة في كل خطوب هذه الحياة، خذني إليك قبل كل شيء، لكنه لم يفتح ذراعيه، ولم يحضن ولدي ولم يقبله حتى، حتى أنه لم يأخذني إلى حضنه كما تعودت أن يفعل كلما التقينا ويتبع ذلك قبلات حانية، لم ينبس ببنت شفه، نظرة عينيه تلك لم تتغير، توسلت إلى عينيه، دموعي فاضت على خدي ولم يمد يده لم يمسحها، ما خطبه؟؟ لم يكن في سابق عهده يستطيع رؤية دموعي، لم يرفض لي طلبا قط من قبل، بكيت أمامه وانكسر قلبي ألف مرة عندما رأيته عاجزا حتى عن مسح الغبار الذي تراكم فوقه، دخلت إلى البيت ودموعي لم تُمسح، وندائي لم يُسمع، تمنيت لو يوبخني، أو حتى يضربني، لكن هيهات، نمت بقلب كسير، في الصباح أخبرتني أختي أنهم أخرجوا صورة والدي –يرحمه الله- بعد أن لاحظوا وجود العثة عليها ليقوموا بمعالجتها قبل أن تقضي عليها العثة بلا رحمة.